اعتراف "حزب زوما" بمغربية الصحراء.. هل تكون نقطةَ تحول على درب الاختراق الدبلوماسي لـ"أثقل" داعم للبوليساريو في إفريقيا؟

 اعتراف "حزب زوما" بمغربية الصحراء.. هل تكون نقطةَ تحول على درب الاختراق الدبلوماسي لـ"أثقل" داعم للبوليساريو في إفريقيا؟
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 12 يونيو 2025 - 20:40

على الرغم من وجوده حاليا في المعارضة، فإن وقعَ إعلان حزب MK الجنوب إفريقي تغيير مُنطلقاته جذريا بخصوص العلاقات بين بريتوريا والرباط، والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، كان له وقع كبير داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية في الدولة التي تعد ثاني أكبر داعم لجبهة "البوليساريو" الانفصالية بعد الجزائر، والأبرز على المستوى "الرمزي" نظرا لتاريخها في مواجهة نظام الفصل العنصري، فالأمر يتعلق بحزبٍ كانَ الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا من بين مؤسسيه سنة 1961، باعتباره تيارا نضاليا، وأصبح السابق جاكوب زوما مؤسسه الجديد ورئيسه منذ العام الماضي.

ومع ذلك، فإن المفاجأة التي رافقت هذا الإعلان، لا تُلغي أن الأمر لا يتعلق بمجرد تمظهر من تمظهرات معركة كسر العظام بين حزب زوما السابق، المؤتمر الوطني الإفريقي، وحزبه الحالي "أومكونتو وي سيزوي - رُمح الأمة"، وإنما بعمل دبلوماسي انطلق منذ سنوات، بهدف تسجيل اختراقات وازنة داخل المنظومة السياسية للبلد الأهم على المستوى الاقتصادي في إفريقيا، وصاحب النفوذ الكبير داخل دوائر صناعة القرار سواء في الاتحاد الإفريقي، أو عواصم بلدان جنوب القارة.

وفي الوثيقة الصادرة تحت عنوان "المغرب وجنوب إفريقيا: شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية، والتحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية"، اختار حزب زوما طي صفحة "الصراع الإيديولوجي" القديم بين نظام "تحرري" وآخر تقليدي، والالتفات إلى المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الممكنة اليوم مع الرباط، لذلك نجد أنه أورد "انطلاقًا من مصالحهما الوطنية، يؤمن حزب MK بأن المغرب وجنوب إفريقيا يحملان مسؤولية ضخمة للدفاع عن مصالح قارتنا، وفي سياق تحولات التحالفات الجيوسياسية، يدعم الحزب بشدة التعاون القوي بين المغرب وجنوب إفريقيا نظرًا لتشابه سياساتهما الخارجية والأمنية".

هذا "التشابه" تُلخصه الورقة في كون "كلا البلدين يساهمان بشكل كبير في جهود حفظ السلام في إفريقيا"، وهما أيضا "يدعمان الدبلوماسية متعددة الأقطاب وإصلاح المؤسسات الدولية لتعكس صوت إفريقيا"، كما أنهما "يشتركان في القلق من الأجندات الانفصالية المدعومة خارجيًا والتي تهدف إلى إضعاف القارة".

أما اقتصاديا، فانطلق الحزب من "ثقته في إمكانيات الاقتصاد الإفريقي الداخلي"، ليقول إنه "يُشجع على تعزيز التعاون بين القوتين الاقتصاديتين في القارة، المغرب وجنوب إفريقيا، بما يخدم مصالح شعبيهما، خصوصًا الفقراء"، ويضيف أن "جنوب إفريقيا هي أكبر مستثمر في القارة، ومع التوسع الاقتصادي المتصاعد للمغرب، كثاني أكبر مستثمر في إفريقيا، يمكنهما معًا إطلاق إمكانات تجارية هائلة، لا سيما في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية"، وخلص إلى أن "هذا التكامل الاقتصادي يمكن أن يحرر شعبي البلدين من الاعتماد الخارجي، ويوفر سوقًا مستدامًا، ووظائف، ودعمًا للفقراء، مع التركيز على الأمن الغذائي، خاصة في قطاع الفلاحة".

هذه النظرة "البراغماتية" للأمور، التي تتماشى مع دعوة الرباط لبلدان القارة إلى المضي نحو شراكة "رابح – رابح" مع احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، كانت مقدمة نحو إعلان MK موقفا جديدا بخصوص قضية الصحراء، يناقض تماما موقف جنوب إفريقيا، التي حكمها زوما لنحو 9 سنوات من 2009 إلى 2018، قبل أن يستقيل تحت ضغطٍ من حزبه، فاسحا المجال للرئيس الحالي ونائبه حينها، سيريل رامافوسا، أحد أبرز داعمي الطرح الانفصالي حاليا.

وجاء في النقطة السادسة من الوثيقة المذكورة، أنه "من منطلق التزام حزب MK بمبادئ تقرير المصير والسيادة وسلامة الأراضي"، فإنه "يعرب عن دعمه لموقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، استنادًا إلى الشرعية التاريخية، فالصحراء كانت جزءًا من المغرب قبل الاستعمار الإسباني في أواخر القرن التاسع عشر، والروابط القبلية مع العرش المغربي تؤكد هذا الانتماء، وعند انسحاب إسبانيا عام 1975، سعى المغرب لاستعادة أرضه في إطار سياسته الثابتة للحفاظ على سلامته الترابية".

ورجع الحزب كذلك إلى "المسيرة الخضراء التي نظمت عام 1975، والتي كانت عملًا سلميًا قويًا للتحرر، شارك فيها أكثر من 350.000 مغربي غير مسلح لاستعادة أراضيهم، وحظيت بدعم دبلوماسي إفريقي"، وفق تعبيره، ليُعلنَ دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، موردا "يقترح المغرب حلاً مبنيًا على منح سكان الصحراء حكمًا ذاتيًا واسعًا ضمن سيادته"، وتابع أن هذه المبادرة "تُوازِن بين الاستقرار والتنمية، وتقدم مخرجًا واقعيًا للنزاع".

وتابعت الوثيقة في النقطة السادسة التي خصصت بالكامل للتعبير عن موقفه المبدئي من قضية الصحراء "بناءً عليه، يدعو الحزب المجتمع الدولي للنظر في اقتراح المغرب كحل فعَّال لضمان السلام والازدهار لشعب الصحراء الغربية، ضمن إطار الوحدة الترابية المغربية".

وحزب MK حاليا، هو ثالث أكبر قوة سياسية في البلاد، وبعد أن وصل زوما إلى رئاسته العام الماضي، قاده للحصول على 58 مقعدا في الجمعية الوطنية، بعد المؤتمر الوطني الديمقراطي الحاكم، صاحب الـ 159 مقعدا، والرابطة الديمقراطية (الذي يضم عددا كبيرا من ذوي الأصول الأوروبية) بـ 87 مقعدا، والاثنان متحالفان في الأغلبية إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة تتراوح مقاعدها ما بين واحد إلى 13 مقعدا، وهو ما يعني أن "رمح الأمة"، هو الذي يقود المعارضة في البلاد حاليا.

هذا الحزب، الذي كان في الأصل جناحا مسلحا ضمن المؤتمر الوطني الإفريقي، واندمج فيه عمليا قبل أن يعيد زوما وسياسيون آخرون داعمون له إحياءه في 2023، ليخوض به الانتخابات التشريعية لأول مرة، أصبح الآن رقما صعبا في المشهد السياسي الجنوب إفريقي، ويسعى ليكون الند الأبرز للمؤتمر الوطني، لذلك يعمل على اعتماد توجهات مضادة له في العديد من القضايا، بما في ذلك الملفات الدبلوماسية، وإحداها العلاقات مع المغرب والموقف من قضية الصحراء.

ورغم ذلك، فإن التقارب مع الرباط ليس مرتبطا بـ"مجرد مُناكفة سياسية"، لأن جاكوب زوما، وقبل أشهر من مغادرته رئاسة البلاد، كان قد بدأ العمل بقوة على "تطبيع" العلاقات مع المملكة، وفي 2017 اجتمع بالملك محمد السادس في أبيدجان الإيفوارية، على هامش القمة الخامسة المشتركة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، اللقاء الذي تلاه الإعلان عن "سفيرين من مستوى عالٍ، بكل من الرباط وبريتوريا"، وفق ما جرى الإعلان عنه رسميا حينها.

لكن مغادرة زوما لمنصب الرئيس، وضعت نقطة النهاية لمسار التقارب المغربي الجنوب إفريقي، الذي كان يبدو واعدا، حين جرى الإعلان عن اتفاق قائدين البلدين على "العمل سويا، يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد، لاسيما وأن المغرب وجنوب إفريقيا يشكلان قطبين هامين للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية"، وتفاهمها أيضا على "الحفاظ على اتصال مباشر والانطلاق ضمن شراكة اقتصادية وسياسية خصبة، من أجل بناء علاقات قوية ودائمة ومستقرة، وبالتالي تجاوز الوضعية التي ميزت العلاقات الثنائية".

وكان واضحا، أن الأمور لا تسير بشكل جيد مع رامافوزا خليفة زوما، فجنوب إفريقيا كثفت حملاتها الداعمة للبوليساريو في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، والسفير المغربي في بريتوريا، يوسف العمراني، الذي أنهى 12 عاما من الفراغ الدبلوماسي سنة 2019، غادر سريعا منصبه في 2021، بعد تكليفه بمهمة سفير المملكة لدى الاتحاد الأوروبي، لذلك كان على المغرب البحث من جديد على "اختراقات" دبلوماسية خارج منظومة الرئاسة والحكومة.

وعمليا، تأتى للمغرب ذلك عدة مرات، حتى قبل إعلان موقف حزب MK، أبرزها في أكتوبر 2024، حين وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، وفدا يمثل المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، يقوده نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية بالحزب، أوبيد بابيلا، والذي دعا المقاولات المغربية إلى الاستثمار في جنوب إفريقيا على غرار الشركات الجنوب إفريقية الموجودة في المغرب، إلا أن هذه الخطوة كلفته الإعفاء من منصبه، باعتباره قام بهذه المبادرة بشكل ذاتي دون تنسيق مع القيادة، في خطوة أكدت وجود تضارب في وجهات النظر داخل الحزب بخصوص العلاقات مع المغرب.

بعدها بشهور، وتحديدا في دجنبر 2024 نظم مجموعة من أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي، احتجاجا أمام مقر الحزب في جوهانسبورغ، أكبر مدن البلاد، للمطالبة بتحسين العلاقات مع المغرب، منتقدين الدعم الذي تقدمه قيادة الحزب الحالية لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، ووفق ما أكدته وسائل محلية، فإن الأمر يتعلق بالعشرات من أنصار الحزب الحاكم الذين تجمعوا خارج المقر الرئيسي أول أمس الأربعاء، يودهم الناشط تبوهو مايكي، من أجل "التعبير عن استيائهم من النهج الدبلوماسي للمؤتمر الوطني الإفريقي تجاه المغرب".

وأوردت تلك التقارير أن أن هذا الاحتجاج سلط الضوء على "انقسام متزايد" بين الموالين للحزب بشأن اتجاه السياسة الخارجية للمؤتمر الوطني الإفريقي، خاصة فيما يتعلق بما يسميه "التزامه الدائم تجاه الشعب الصحراوي"، في حين صرح قائد الاحتجاج قائلا "نحن غير راضين عن موقف المؤتمر الوطني الإفريقي ضد المغرب، وهناك حاجة ماسة لإيضاح كيف نخطط لتطوير علاقاتنا الثنائية مع المغاربة".

ووضع المحتجون مذكرة لدى المقر المركزي، تضمنت دعوة لـ"تعزيز العلاقات الثنائية مع المغرب" مقتبسين من "ميثاق الحرية" الخاص بالمؤتمر الوطني الإفريقي الذي يحث على "السلام والصداقة"، ودعوا قيادتهم بأن تعالج موقفها بخصوص قضية الصحراء، مركزين عن ضرورة فصلها عن القضية الفلسطينية، خاصة وأن "فلسطين نفسها تدعم المغرب ولا تعترف بشيء اسمه الشعب الصحراوي"، وفق توصيفهم، وجاء في المذكرة "في الواقع، بينما تدعم البلدان النضال الشرعي لفلسطين من أجل الحرية والعدالة، يتم التعامل مع قضية الصحراء الغربية بشكل مختلف من قبل العديد من الدول، وخاصة في إفريقيا حيث تعترف غالبية الدول بسيادة المغرب على الأراضي الصحراوية".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...